-

قصة بلاك بيري: كيف وصلت القمة وكيف انهارت؟

(اخر تعديل 2024-08-19 08:15:33 )
بواسطة

من الهاتف الأكثر انتشارا ومبيعا في العالم إلى إفلاس تام وفشل ذريع.. فماذا حدث مع شركة “بلاك بيري”؟ وما علاقة شركة آبل؟ إليكم قصة بلاك بيري.

قصة بلاك بيري الكاملة هنا: كيف وصلت القمة وكيف انهارت؟

إذا كنت من جيل التسعينات فلا بد أنك حلمت باقتناء هذا الجهاز الصغير الذي خطف الأنظار، فهو عملاق تربع على عرش سوق الهواتف في بداية الألفينات ولكنه انهار بشكل لم يتوقعه أحد

بدأت الحكاية عام 1984 عندما قرر طالبا الهندسة الكنديان مايك لازاريديس ودوجلاس فريجاين تأسيس شركة Research in Motion المعروفة اختصارا بـ RIM، كانت تعمل في البداية على عدة مشاريع منفصلة، وفي عام 1989 تعاقدت RIM مع شركة Rogers الكندية للاتصالات لتطوير نظام تراسل بين المستخدمين من خلال النص

وانطلاقا من الخبرة التي اكتسبتها شركة RIM خلال عملها مع Rogers، أطلقت عام 1996 جهاز interactive pager 900 ثم interactive 800 اللذان يوفران إمكانية التراسل بين المستخدمين إذ كانا يحملان شاشة ولوحة مفاتيح كاملة، ثم أطلقت الشركة جهاز rim active 950 وهو أول جهاز يحمل اسم الشركة ولم يكن قادرا على إرسال الرسائل النصية فحسب بل كان بإمكانه الاتصال بالإنترنت وتشغيل البريد الإلكتروني وتصفح المواقع

عام 1999 تم إطلاق أول جهاز يحمل اسم بلاك بيري، وهو اسم مستوحى من أزرار الهاتف التي تشبه التوت الأسود، لكن الطفرة الكبرى كانت عام 2000 عندما أطلقت الشركة هاتفها الأول BlackBerry 957، بلوحة مفاتيح كاملة وشاشة، وهنا يمكن القول أن شركة بلاك بيري دخلت رسميا في عالم الهواتف المحمولة.

كان الهاتف مثاليا لأصحاب الأعمال والموظفين إذ سهل عليهم متابعة أعمالهم من خلال تشغيله للبريد الإلكتروني الذي لم يكن بالإمكان الاطلاع عليه سوى من خلال الحواسيب، كما أن اهتمامها الكبير بتقديم اتصالات مشفرة ومؤمنة بشكل كامل أكسبها ثقة السياسيين والرؤساء ورجال الأعمال

عام 2002 أنتجت الشركة هاتف blackberry 5810 لكن عيبه كان بضرورة وضع سماعة لإجراء اتصال، ليأتي بعده بلاك بيري 6210 بكيبورد من فئة كويرتي مع شاشة غير ملونة ويمتاز بقدرة الاتصال بالإنترنت وإرسال واستقبال البريد الإلكتروني، ولكن ما جعله مختلفا عن ما سبقه هو أنه يعطي تنبيها بوصول بريد إلكتروني جديد وهو ما كان أمرا مبهرا في عالم الأعمال.

واستمرت الشركة في تطوير هواتفها حتى أطلقت بلاك بيري 7230 بشاشة ملونة وسماعة ومكبر صوت، وهنا بدأت الشركة بترخيص إرسال الرسائل النصية عبر الإنترنت لشركات أخرى، لتحقق في عام 2002 صافي أرباح بقيمة 100 مليون دولار

في السنوات التالية قدمت بلاك بيري هواتف بأشكال مختلفة مع تغييرات في تصميم الكيبورد كهواتف 7100v و 8700v

وهنا تزداد قصة بلاك بيري إثارة بعد تفجير مفاجأة في عالم الرسائل النصية بتقديمها عام 2005 برمجية “بلاك بيري ماسنجر” المعروفة بـ بي بي إم، وهي برمجية تتيح إنشاء رمز خاص بصيغة qr لتستطيع إضافة مستخدم آخر والتحدث معه بشكل خاص، تماما كاليوزر نيم على الانستغرام مثلا، كما أتاحت هذه البرمجية إرسال رسائل على شكل صور متحركة gif، كل ذلك في وقت لم يكن فيه تطبيق واتساب وغيره من تطبيقات المراسلة موجودة بعد

بنيت برمجة بي بي ام على نظام تشغيل مغلق المصدر وسهل الاستخدام طورته شركة بلاك بيري، ولذلك لم تجد الفيروسات والبرمجيات الخبيثة له طريقا ما جعله الخيار الأنسب للشركات والحكومات

كان بي بي إم بمثابة تطبيق ثوري في تلك الفترة، ولا يمكن تحميله على أي أجهزة أخرى سوى بلاك بيري، لذلك حققت الشركة في ذلك العام، أي 2005، مبيعات فاقت مليار دولار أمريكي وتجاوزت حصتها السوقية شركات أكبر منها عمرا.

استمرت بلاك بيري في صناعة هواتف جديدة، وطرحت عام 2006 جهاز pearl 8100 وهو أول جهاز يمتلك كاميرا في الظهر وأول جهاز قدمت فيه الشركة الزر المتحرك والذي اعتمدته في جميع أجهزتها في العام التالي

أما عام 2007 أطلقت سلسلة curve التي أدت لقفزة في المبيعات وصلت لـ 2 مليار دولار، ورغم وجود هواتف بشاشات أكبر إلا أن بلاك بيري مازال يعطي لحامله طابعا أنيقا وثريا

واصلت بلاك بيري في صناعة مجدها والتربع على عرش الهواتف المحمولة، لكن حدثا مفاجئا كان البداية لتغيير هذه الحقيقة للأبد، وأدخل بلاك بيري في حلبة مصارعة قاسية

في التاسع من يناير 2007، ظهر ستيف جوبز للإعلان عن أول جهاز آيفون ساخرا من أجهزة أخرى تعتبر نفسها ذكية لأنها توفر إنترنت محدود وكيبورد بلاستيكي وفق قوله، مقارنا الآيفون بأجهزة ال moto q, palm treo ، نوكيا وبلاك بيري وهنا ظهر خصم شرس لبلاك بيري لأول مرة

الأيفون جاء ليقلب الموازين بواجهة ثورية وشاشة لمس مبتكرة

وهنا بدأ الصراع، فكل شركة تسعى لابتكار الأفضل، جاذبة الأنظار ومشعلة التوقعات. المتابعون كانوا في حالة ترقب، يتساءلون: هل ستتمكن بلاك بيري من الحفاظ على عرشها، أم أن الأيفون سيغير قواعد اللعبة إلى الأبد؟

في البداية تجاهلت بلاك بيري آيفون وتوقعت فشله كما تجاهلت تحول السوق نفسه نحو شاشات اللمس في الهواتف المحمولة

في الواقع لم يؤثر آيفون في بداية إطلاقه على شركة بلاك بيري كثيرا، بل تضاعفت أرباح الشركة عام 2008 لـ 6 مليار دولار مع طرح blackberry bold 9000 و blackberry curve 8900

إلى حين إدراكها أن آيفون أصبح منافسا شرسا، وخصما قد يطيح بها أرضا في أي لحظة، وهنا كانت اللحظة الفارقة عندما تدخلت شركة فرايزون للاتصالات والتي تجمعها شراكة مع بلاك بيري وطلبت من الأخيرة بشكل مستعجل أن تنتج هاتفا منافسا لآيفون بشاشة لمس، وأمهلتها مدة قصيرة لطرحه في الأسواق.

لجأت بلاك بيري لتصنيعه في الصين سريعا، لتطرح blackberry storm كأول هاتف بلاك بيري بشاشة لمس مستغنية عن الكيبورد الشهير، لكن الهاتف فشل فشلا ذريعا بسبب عيوبه الكثيرة كضعف أدائه وضعف خاصية اللمس في الشاشة، ذلك بالتزامن مع مبيعات قياسية حققها آيفون 3G، ليخسر ستورم أول جولة أمام أيفون، وطالبت فيريزون حينها بلاك بيري بتعويضات عن خسائرها بقيمة 500 مليون دولار.

قد تعتقد أن قصة بلاك بيري انتهت هنا، لكن المفاجئ في الأمر أن مبيعاتها تجاوزت عام 2009 الـ 11 مليار دولار، وأصبحت مسيطرة على 20% من السوق العالمي و50% من السوق الأمريكي

هنا اشتدت المنافسة، وطرحت بلاك بيري عام 2010 الجيل الثاني من blackberry storm الذي حمل متصفح إنترنت مطور من شركة آبل، لكنه لم يحقق رواجا أيضا كما توقعت الشركة، ورغم تطور خصمها آيفون وصعوده السريع بطرح iphone 4 إلا أنها مازالت مصرة على عدم الاستثمار في التطبيقات، وأطلقت بلاك بيري تورش الذي جمع بين خصائص الستورم مع كيبورد تحت الشاشة، وكان لها تجربة في طرح جهاز لوحي باسم بلاي بوك دون أي تحديث في مجال التطبيقات

قررت بلاك بيري هنا التركيز مع إصدارات كيرف وبولد، واستمرت في إطلاق أجهزة جديدة لكن بنفس التصميم ونظام التشغيل والفكرة العامة، مع بعض التطوير في وظائف اللمس، لتحقق صافي أرباح بـ 20 مليار دولار وسيطرت أجهزتها على حصة سوقية تزيد على 40% من إجمالي السوق

لكن تطور آيفون السريع مع بدأ يكتب بداية النهاية لهذا العملاق، ففي عام 2013 شهد سوق الهواتف الذكية تقدما غير مسبوق وهيمنت عليه أجهزة آيفون 5s إضافة لأجهزة أندرويد بحجم كبير وتطبيقات متنوعة.

في محاولة من بلاك بيري للحاق بآيفون قدمت حينها جهازي Q10 وZ10 بتحديث عملاق للنظام وهو نظام bb10 التي توقعت الشركة أن ينافس أندرويد و IOS، هاتف Q10 كان يحمل نفس المظهر الكلاسيكي لبلاك بيري، اما z10 كان الأقرب للمنافسين بشاشة لمس كبيرة ونظام يدعم التطبيقات الخارجية، راهنت الشركة على جهاز Z وتوقعت له ملايين المبيعات لكنها باعت أقل من 300 ألف وحدة فقط لتلجأ لطرح هاتفي Z30 وQ5 ونسخة خاصة للتورش لكن بوجود الآيفون لم يهتم بهم أحد

طرحت بلاك بيري هذه الهواتف وهي على ثقة تامة بأن عملائها سيكنون الولاء لها طوال حياتهم، متجاهلة قاعدة مهمة في عالم التسويق وهي “لا تثق دوما في ولاء الزبائن” وبالفعل تفاجأت بلاك بيري أن عملاءها قد توجهوا منذ زمن للأندرويد والأبل.

انخفضت أرباح بلاك بيري للنصف بنهاية عام 2013، لكنها رفضت الاستسلام أمام أيفون، وطرحت بلاك بيري كلاسيك عام 2014 حمل نظاما جديدا بنفس تصميم بلاك بيري الكلاسيكي في محاولة لاسترجاع العملاء لعل يستيقظ الحنين بداخلهم لكن دون جدوى.

أطلقت الشركة فيما بعد جهاز PASSPORT بحجم جواز السفر، مربع الشكل بكيبورد كامل وبنظام تشغيل خاص وترسيخ أكبر لنظام التطبيقات، جذب الهاتف الجديد أنظار البعض لكن ذلك لم يكن كافيا، إذ كانت أبل سريعة التطور فيما كانت بلاك بيري بطيئة المواكبة.

انخفض دخل الشركة 5 مليار دولار وحصة الشركة السوقية بدأت تنخسف مقابل صعود مبهر لأبل، لدرجة أن بلاك بيري فكرت في بيع أصولها والخروج من السوق

لكنها تراجعت وقررت اللجوء لتثبيت تطبيقات مطورة عبر نظام أندرويد على نظامها الخاص الأمر الذي كان معقدا على المستخدمين لذلك فشل.

ومع ظهور تطبيقات كواتساب وimessage فقد “بي بي أم” فردانيته وكان الحل الأخير المتبقي لبلاك بيري هو إطلاق بلاك بيري بريف عام 2015 كأول جهاز يعمل بنظام أندرويد بشاشة لمس كبيرة وكيبورد أسفل الشاشة لكنه لم يقدم أي جديد مقارنة بالأجهزة المنافسة لذلك يعد قد جاء متأخرا.

هنا دخلت شركة الإلكترونيات الصينية TCL في شراكة مع بلاك بيري التي سمحت لها بتصنيع وبيع أحدث الأجهزة المرخصة التي تستخدم نظام تشغيل أندرويد. لكنها أيضا لم تلقى رواجا.

فشل تلو الآخر بدأت على إثره الشركة في الهبوط عن العرش لصالح أبل، وانخفضت المبيعات بشكل ملحوظ، لتصل حصتها في السوق إلى 1% فقط عام 2016، في الوقت الذي بلغت فيه حصة الهواتف التي تعمل بنظام أندرويد 53%، وأبل بحصة 43% من السوق العالمي

أعلنت الشركة عن قرارها لوقف دعم أنظمة بلاك بيري لأول مرة عام 2020، وقررت تغيير نشاطها إلى تطوير برمجيات توفر خدمات أمنية للشركات والحكومات، في الـ 4 من يناير عام 2022 سُجلت نهاية حقبة في تاريخ الهواتف الممولة بإعلان بلاك بيري إيقاف نظام التشغيل الخاص بها وبالتالي توقف عدد كبير من أجهزتها عن العمل، في الوقت الذي ينتظر فيه المستخدمون الإصدارات الجديدة لآبل.

انتهت رحلة نجم سطع عاليا ثم أفل سريعا، ولربما غرورا أصاب بلاك بيري أدى لسقوطها، فبينما ظن مالكوها أنها شركة لا تقهر لم يأخذوا المنافسين على محمل الجد وأصروا على عدم تطوير قدرات الأجهزة لمواكبة العصر، كتمسكهم بعدم تطوير نظام التطبيقات والكيبورد الذي أصبح من الماضي بمجرد ظهور شاشة اللمس.

وفضّلت المحافظة على زبائنها بدلًا من اكتساب زبائن أكثر، وعندما بدأت الشركة بإدراك المخاطر التي تحدق بها من آبل كان الأوان قد فات، ولم تستطع اللحاق بخصم سرعان ما خطف منها الأضواء وركلها بضربة قاضية بجذب العديد من المستخدمين الذين كانوا يفضلون التعامل بشاشات اللمس، وتطبيقات غير محدودة، لتصبح درسا في عالم التكنولوجيا والتسويق للشركات الناشئة قاعدته الأولى: تطوير المنتجات باستمرار للبقاء في المنافسة وتحقيق رضا العملاء.