منذ أن أُطلق لأول مرة في عام 2011، أحدث مساعد آبل الصوتي “سيري” ثورة في الطريقة التي نتفاعل بها مع أجهزة الآي-فون. يمتلك سيري القدرة على القيام بمجموعة واسعة من المهام المذهلة، مثل إجراء المكالمات، تشغيل الموسيقى، الإجابة على الأسئلة، ومشاركة جهات الاتصال، بالإضافة إلى الحصول على المعلومات وتنفيذ المهام بدقة وسلاسة. لكن، كما سنكتشف معًا، لم يكن سيري كما نعرفه اليوم في بداياته. دعونا نغوص في أعماق الماضي لاستكشاف قصة نشأة سيري وكيف انتقل من أروقة البنتاغون السرية إلى آبل بارك.
أمنية وإن تحققت الحلقة 449
بداية سيري
يمكن اعتبار العام 2003 هو البداية الحقيقية لسيري، حينما قررت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية (DARPA) بالتعاون مع معهد ستانفورد للأبحاث، تمويل مشروع CALO. كان الهدف من هذا المشروع هو تطوير مساعد شخصي قادر على التعلم لأداء مهام بسيطة مثل فهم محتويات الملفات وتنظيمها. كان الطموح هو إنشاء ذكاء اصطناعي يفهم الأوامر الصوتية بدقة غير مسبوقة.
في عام 2007، تأسس عدد من الباحثين من معهد ستانفورد للأبحاث شركة سيري الخاصة بهم لتسويق التكنولوجيا التي طوروها، وتم اختيار الاسم "سيري" كاسم للمشروع. لماذا سيري؟ لأنه كان سهل التذكر، قصير، وينطوي على معنى إنساني يوفر تجربة فريدة. ولمن يتساءل، فإن كلمة سيري تعني "السر" في اللغة السواحيلية، و"المرأة التي تقود إلى النصر" في اللغة النوردية، و"الجمال" في اللغة السنهالية.
جوبز وسيري
مع إطلاق شركة سيري لتطبيقها في مطلع العام 2010، كان ستيف جوبز متحمسًا للغاية لهذه التكنولوجيا الجديدة. اجتمع مع مؤسسي الشركة ليتحدث عن مستقبل سيري وإمكاناته. وأوضح جوبز خلال هذا الاجتماع أن آبل تسير في الاتجاه الصحيح للهيمنة على سوق الهواتف الذكية، وأن سيري يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الهدف. وبعد 37 يومًا من التواصل المكثف، أُبرمت صفقة الاستحواذ على سيري.
الاستحواذ على Siri
في أبريل 2010، استحوذت آبل على شركة سيري مقابل 200 مليون دولار، مما كان لحظة محورية في تاريخ المساعد الافتراضي. تحت إشراف ستيف جوبز، تم دمج سيري في النظام البيئي لشركة آبل. أُصدر سيري في البداية كتطبيق مستقل لنظام تشغيل الآي-فون في فبراير 2010، ثم تم دمجه في جهاز آي-فون 4S الذي تم الكشف عنه في 4 أكتوبر 2011. بعد ذلك، أزالت آبل تطبيق سيري المستقل من متجر التطبيقات، ليصبح أداة حصرية لأجهزتها.
تحسين سيري
منذ إصدار سيري الأول، اعتمد على تقنيات متطورة مثل محرك التعرف على الكلام الذي توفره شركة Nuance Communications التابعة لمايكروسوفت. كما تم استخدام تقنيات التعلم الآلي المتقدمة مثل الشبكات العصبية التلافيفية و الذاكرة القصيرة المدى المطولة. بحلول عام 2013، توسع دعم سيري ليشمل لغات مثل الماندرين الصينية واليابانية والروسية. كما تطورت خيارات الصوت، حيث كان سيري في البداية يعتمد على صوت الفنانة الأمريكية سوزان بينيت، ولكن سرعان ما تم إضافة أصوات أخرى لكل من الإناث والذكور.
كان أحد التحسينات الرئيسية هو إضافة عبارة تفعيل المساعد الصوتي "يا سيري" أو "Hey Siri" في عام 2014، جنبًا إلى جنب مع ميزات محسنة للخصوصية وقدرة سيري على معالجة الأوامر على الجهاز نفسه.
الإرث والأثر
يمثل سيري قفزة نوعية في كيفية تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا، حيث يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من نظام آبل البيئي. لقد مهد الطريق لمساعدين صوتيين آخرين على الهواتف الذكية، وساهم في تطوير منافسين مثل أليكسا من أمازون ومساعد جوجل الصوتي. ورغم النقد الذي طال سيري بسبب ميزاته المحدودة ومشاكل التعرف على الصوت، يظل هذا المساعد جزءًا أساسيًا من منتجات آبل، ويعكس خطوة مهمة نحو مستقبل يتفاعل فيه الإنسان مع التكنولوجيا بشكل أكثر طبيعية وفعالية.
المصدر: